رغم تصاعد الخطاب العالمي حول التنمية المستدامة، فإن الواقع يكشف عن تناقض صارخ بين الشعارات المرفوعة والسياسات المطبقة. كيف يمكن الحديث عن مستقبل مستدام بينما يُقتل الإنسان ويُجوع وتُهدم حياته؟ هذا المقال يكشف زيف الاستدامة حين تغيب عن الإنسان.
المقدمة:
في الوقت الذي لا يغيب فيه مصطلح “الاستدامة” عن أي خطاب حكومي أو مؤتمر دولي، تغيب الحقيقة الأهم: لا يمكن الحديث عن “تنمية مستدامة” في غياب الإنسان. فبينما تتزين الخطط القومية بشعارات “أهداف التنمية المستدامة” (SDGs)، تُزهق الأرواح وتُهدم البيوت وتُجفف ينابيع الأمل. فهل حقًا يسير العالم نحو مستقبل أفضل، أم أننا نرسم خيالًا أخضر على جدارٍ من الرماد؟
الاستدامة بين الشعارات والسياسات الواقعية
تحوّل مصطلح “الاستدامة” منذ أكثر من عقد إلى علامة تجارية سياسية تزيّن بها الحكومات أجنداتها. لكن خلف هذه الزينة يكمن التناقض الفاضح: كيف لدولة أن تتحدث عن حفظ الموارد للأجيال المقبلة، وهي عاجزة عن ضمان سلامة هذه الأجيال من الموت أو التهجير أو الفقر؟
يصبح الحديث عن المناخ والغابات والطاقة النظيفة أمرًا مثيرًا للسخرية، حين يكون من يرددون هذه الشعارات هم أنفسهم من يوقّعون على صكوك الدمار في مناطق النزاع، ويمولون الحروب التي تُفني الإنسان وموارده معًا.
استدامة بلا إنسان.. وهم كبير
تُعرّف التنمية المستدامة بأنها “تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها”. ولكن ماذا تبقى من هذا التعريف إذا كانت تلك الأجيال لا تجد فرصة للحياة أصلًا؟ كيف يمكن أن نتحدث عن مستقبل بيئي مزدهر بينما يُحرم ملايين الأطفال من التعليم، ويُتركون دون غذاء أو مأوى؟
الموارد لا تساوي شيئًا دون شعب حي قادر على استثمارها. حماية البيئة لا قيمة لها إن كان الإنسان، الذي هو محورها، يُقتل أو يُقصى. فهل نخطط لمستقبل بلا بشر؟ أم أن الاستدامة صارت مجرّد ديكور سياسي لتلميع صور الدول القوية؟
الكارثة الأكبر: من يصنع الحرب يصوغ اتفاقيات السلام!
أشد ما يُضعف مصداقية الخطاب العالمي عن الاستدامة هو أن الدول الكبرى التي ترعى اتفاقيات المناخ، وتموّل المشاريع البيئية، هي نفسها من تصنع وتبيع السلاح، وتُشعل الصراعات في مختلف بقاع الأرض. فهل نصدّق من يُهلك البشر أنه حريص على الشجر؟
حين تُقصف المستشفيات، وتُحرم المدارس من التلاميذ، ويُمنع الغذاء عن الشعوب، يصبح كل حديث عن استدامة المستقبل مجرّد لغو سياسي.
الاستدامة الحقيقية تبدأ من الإنسان
الاستدامة ليست أرقامًا في تقارير البنك الدولي، ولا وعودًا في مؤتمرات المناخ، بل هي حياة كريمة للإنسان، تبدأ من الأمن، وتشمل الغذاء والصحة والتعليم والعدالة. ولا يمكن لأي دولة أن تدّعي التزامها بالتنمية المستدامة وهي تنفق مواردها على القمع والتسليح بدلًا من الاستثمار في الإنسان.
الخاتمة: متى ينتصر الإنسان في معادلة الاستدامة؟
نتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه الإنسان أولوية حقيقية في السياسات الدولية، لا مجرد رقم في تقارير التنمية. حينها فقط يمكن الحديث عن استدامة بيئية واقتصادية، لأن الأساس سيكون سليمًا: إنسانٌ حر، آمن، قادر على العمل والحلم والمشاركة في بناء المستقبل.